يلتحق غالبية المتداولين بسوق الأسهم لأول مرة أثناء ارتفاع السوق، حيث تغري المؤشرات الخضراء كثيرين بالانضمام طمعًا في تحقيق الأرباح، وسعيًا لتنمية رؤوس الأموال.
وعلى الرغم من أن مدة ارتفاع السوق دائمًا ما تكون أطول من حيث الفترة الزمنية، وأعلى من حيث القيمة السوقية، لأن الاقتصادات تنمو وتتسع في غالبية الوقت مع تطور التكنولوجيا الإنتاجية وزيادة أعداد المستهلكين، حتى مع مرورها بمتاعب، فإن كثيرين ينتهي بهم الأمر خاسرين على الرغم من ارتفاع السوق ككل.
المتأخرون
وهناك العديد من الأسباب وراء ذلك، ومن أهمها وجود من يعرفون “بالمتأخرين”، أي هؤلاء الذين يدخلون السوق بعد أن يتشكل اتجاه واضح صاعد لسهم بعينه، وغالبًا ما يغريهم الصعود السريع للسهم، وبالتالي فإن اهتمامهم غالبًا ما يكون بأسهم عالية المخاطرة، أو تلك التي تشهد ظروفًا استثنائية تؤدي لصعود سريع واستثنائي في قيمتها، وغالبًا ما تكون تلك الأسهم عرضة للانخفاض السريع أيضا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
فعلى سبيل المثال، صعد سهم “نتفليكس” من سعر 500 دولار في 18 يونيو 2021 إلى أكثر من 680 دولارًا في 12 نوفمبر من العام نفسه، أي أن السهم ارتفع بنسبة 36% خلال 5 أشهر فحسب، بما حرّض كثيرين على الانضمام لهذا التوجه الصاعد بسرعة رغبة في حصد الأرباح.
ولكن وفي 11 مارس 2022 انحدر السهم ليصل إلى 340 دولارًا، أي أنه فقد 50% من قيمته في خلال نفس الفترة التي ارتفع فيها سابقًا، 5 أشهر، بما يشير إلى سهم يعاني من تذبذب شديد، والشاهد أنه في القمم والقيعان شهدت بعض جلسات سوق الأسهم ارتفاعًا في حجم التداول على الأسهم بنسبة 70-120% بما يعكس بيع أعداد كبيرة في القيعان وشرائهم في القمم (مقابل العكس لعدد أقل من الرابحين ذوي الخبرة).
ويلاحظ أن من تمسك بالسهم حتى بعد انخفاضه بهذا الشكل قد ينتهي به الأمر رابحًا وبشدة إذا اشترى في أي مستوى من المستويات السابقة، إذ ارتفع سعر السهم ليصل إلى مستوى 1140 دولارًا في 9 مايو 2025، أي أن من اشتراه في مارس 2022 وباعه في مايو 2025 يكون قد حقق ربحًا 335%، بل وتلافي الهبوط والتذبذب الذي عاناه السوق الأمريكي ككل في الأشهر الأولى لعام 2025.
حتى الخبراء يخطئون
وعلى الرغم من هذا، فإن صعود سهم “نتفليكس” بهذا الشكل يبدو غير مبرر، حيث تسبب في وصول مضاعف الربحية إلى أكثر من 53، مع وصول قيمتها السوقية لأكثر من 450 مليار دولار، فالشركة تحقق أرباحًا وتنمو إيراداتها، لكنها تعمل في مجال مليء بتحديات المنافسة، سواء القديمة مثل “ديزني” أو الحديثة نسبيًا مثل “أبل”.
والشاهد هنا أن الشراء في ظل عدم وجود أسباب حقيقية تبرر مثل هذا الارتفاع في مضاعف الربحية، يؤدي حتمًا إلى سيطرة مشاعر الخوف والطمع على المتداولين، مما يؤدي إلى خسارة غالبيتهم في السهم، حتى مع ارتفاعه، بسبب الاحتفاظ المبالغ به من ناحية، والبيع مع سيادة حالة الهلع في المقابل.
وهنا يظهر السبب الثاني للخسارة مع ارتفاع السوق، وهو الاعتقاد السائد في أن “الاتجاه صديقك”، أي أنه إذا كان السائد في السوق هو الشراء، فإنه عليك الشراء، والعكس بالعكس.
ولا يمكن استثناء حتى الكثير من المحللين وسماسرة الأسهم، حيث يندر أن تقل نسبة التوصية بشراء الأسهم في ظل سوق صاعد عن 80% من المحللين، بما يعكس أن الكثير ممن يفترض بهم أن يكونوا “أهل الخبرة” لا يتحسبون لانخفاض السوق مستقبلًا ويراهنون على استمرار الصعود بغض النظر عن حقائق السوق والشركات.
ويمكن أن نشير هنا مثلًا إلى مثال شركة “نتفليكس” أيضًا، حيث ينصح 70% من 54 محللًا متعاونين مع شبكة “سي.إن.إن” بشراء سهم الشركة، و26% منهم بالاحتفاظ به، و4% فحسب ببيعه، على الرغم مما أشرنا إليه حول قوة المنافسة ومضاعف الربحية المرتفع للغاية.
ويمكن القول هنا إن إجراء اختيارات مختلفة عن اتجاه السوق يحتاج أولًا إلى معرفة قوية، ثم ثقة أقوى في هذه المعرفة وقوة أعصاب في عدم الاستجابة لتحركات السوق غير المستندة إلى أسباب مادية ملموسة أي تلك المدفوعة بالنواحي النفسية من الطمع أو عدم القدرة على النظر إلى انكسار المنحنى الصاعد.
المضاربة والثقة الزائفة
وتأتي الأزمة الأهم أيضا وهي في الدخول في مضاربات، وتزدهر المضاربات بصورة أكبر في السوق المتقلبة، ولكن بعض التحركات “الموجهة” أو تلك التي تستند على معلومات تتفوق على تلك ذات رؤوس الأموال الضعيفة أو تلك التي تفتقد للمعلومات، ومع أن 60-80% من المتداولين الصغار في سوق الأسهم يقبلون على المضاربة وليس الاستثمار فإن منطق الاحتفاظ قصير المدى دائما ما يجعلهم خاسرين في مواجهة خصوم أقوى.
وهنا نتذكر المقولة الواقعية للغاية: “الاستثمار مثل الصابون، كلما لمسته كلما قل”. والمقصود هنا أن الاستمرار في عمليات البيع والشراء بسرعة كبيرة، يجعل رؤوس الأموال تتآكل، مثلما يحدث الأمر عند استخدام صابونة لغسيل الأيدي حيث يتقلص حجمها تدريجيًا.
ومن بين أسباب الخسارة في السوق الصاعد، ما تثيره المؤشرات الخضراء من ثقة زائفة في صدور الكثير من المتعاملين، فعلى سبيل المثال، تلعب تحيزات الثقة المفرطة دورًا سلبيًا كبيرًا في إلحاق الضرر بالعديد من المتعاملين في أسواق الأسهم. وتؤكد الدراسات في هذا الصدد أن نسبة تتراوح بين 70% إلى 80% من المتعاملين في السوق يعتقدون أنهم “أكثر كفاءة من غيرهم” في تحليل اتجاهات الأسواق والتنبؤ بحركتها.
ولذلك يُرجع هؤلاء أي أخطاء في توقعاتهم إلى عوامل خارجية أو أخطاء يرتكبها الآخرون، بدلاً من الاعتراف بضعف تحليلاتهم الشخصية، وبالتالي لا يميلون إلى تعديل أساليبهم أو التعلم من أخطائهم.
وقد تجلت آثار هذه الثقة المفرطة والتحيزات المعرفية بشكل واضح خلال الفترة بين عامي 2020 و2022، حيث شهدت الأسواق المالية ظاهرة غير مألوفة تمثلت في هوس جماعي بأسهم الشركات الصغيرة شديدة التقلب، والمعروفة باسم “أسهم الميم”، وقد ارتفعت هذه الأسهم بشكل صاروخي، ليس بسبب قوة أساسياتها المالية أو أدائها الفعلي، بل بسبب الضجة الإعلامية والتضخيم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وساد بين الغالبية العظمى من المتداولين، بنسبة وصلت إلى 90%، اعتقاد راسخ بأن أسهم الميم تمثل “فرصة استثمارية استثنائية لا يُمكن تفويتها”. فقد اعتقدوا أن أسعار هذه الأسهم منخفضة جدًا ولا يمكن أن تهبط أكثر من ذلك، وأن مسارها الوحيد سيكون تصاعديًا لا محالة. هذا الاعتقاد دفعهم إلى شراء هذه الأسهم بشكل مكثف، مما أدى إلى تضخيم قيمتها بشكل غير منطقي، بعيدًا عن أي معايير استثمارية موضوعية.
إلا أن الواقع سرعان ما كشف زيف هذه الثقة المفرطة، حيث انهارت أسهم الميم انهيارًا كارثيًا، وخسر أكثر من 95% منها جميع المكاسب التي حققتها خلال فترة الهوس الجماعي. وهكذا تحولت هذه الأسهم من كونها محط أحلام المضاربين إلى “منطقة محظورة” بالنسبة للمستثمرين الجادين، الذين أصبحوا يتحاشون الدخول في مثل هذه “الفقاعات”.
وأيضًا يميل الكثير من المتداولين، حوالي 40% منهم إلى التجارة في قطاع واحد، وبعضهم يمتلك سهما واحدا فحسب، وبالتالي يكون أكثر عرضة للتقلبات بعيدًا عن المحفظة المتنوعة، وكثيرًا ما تكون هذه الأسهم عالية المخاطرة بما يؤدي للخسارة المؤكدة لرؤوس الأموال.
ولكل في هذه الأسباب السابقة قد يكون السوق صاعدًا وعلى الرغم من ذلك يخسر الكثيرون في السوق، فنتيجة الانحيازات المعرفية المختلفة وغياب المعرفة الضرورية للاستثمار دائمًا ما تكون سلبية.
المصادر: أرقام- وول ستريت جورنال- سي.إن.إن- ياهو فينانس- فوربس-
(operate (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));