– في عالمٍ تزداد فيه التقلبات المالية يومًا بعد يوم، تبرز الحاجة المُلحة إلى أدوات دقيقة لقياس المخاطر؛ ومن بين هذه الأدوات وأكثرها شيوعًا، نجد “القيمة المعرضة للخطر”، وهو مقياس إحصائي يُعنى بتقدير حجم الخسائر المحتملة التي قد تتكبدها شركة أو محفظة استثمارية خلال فترة زمنية محددة، وبدرجة احتمال معينة.
ما القيمة المعرضة للخطر؟
– تُستخدم القيمة المعرضة للخطر على نطاق واسع، لا سيما في البنوك التجارية والاستثمارية، بهدف تقييم حجم الخسائر القصوى المتوقعة في ظل ظروف السوق العادية، وذلك لإدارة المخاطر وتحديد مقدار رأس المال الاحتياطي الواجب الاحتفاظ به.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
يُعبر عن هذا المقياس عادةً بثلاثة عناصر أساسية:
– قيمة الخسارة المحتملة: مثل 2% من قيمة الأصل.
– الفترة الزمنية: كأن تكون شهرًا واحدًا.
– درجة الاحتمال: مثلاً 95%.
– بمعنى آخر، إذا أشارت حسابات القيمة المعرضة للخطر إلى احتمال 3% لتراجع قيمة أصل معين بنسبة 2% خلال شهر، فإن ذلك يشير إلى وجود فرصة ضئيلة – لكنها واردة – لتحقيق خسارة مماثلة خلال تلك الفترة.
– تكتسب القيمة المعرضة للخطر أهمية أكبر عند تطبيقها على مستوى الشركة ككل، حيث تتيح تقدير المخاطر التراكمية الناتجة عن جميع مراكز التداول ووحدات الأعمال المختلفة.
– يساعد هذا الفهم الشامل على اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة بشأن الحد من المخاطر أو تعزيز الاحتياطيات الرأسمالية.
كيف تُحسب القيمة المُعرّضة للخطر؟
– على الرغم من وحدة الهدف، تختلف منهجيات احتساب القيمة المعرضة للخطر وفقًا لنوع البيانات المتاحة ونموذج التوزيع الإحصائي المعتمد؛ وتُعد الطرق التالية الأكثر شيوعًا:
كيف تُحسب القيمة المُعرّضة للخطر؟
|
|
1- النهج التاريخي:
|
– يعتمد هذا النهج على تتبع الأداء الفعلي للأصل في الماضي، وترتيب العوائد من الأسوأ إلى الأفضل، ثم تقدير الخسائر المستقبلية انطلاقًا من هذه السلسلة الزمنية.
– ورغم بساطته، فإنه يفترض أن المستقبل سيكون امتدادًا للماضي، وهو افتراض لا يخلو من المخاطر.
|
2- منهج التباين-التغاير:
|
– يُفترض في هذا المنهج أن العوائد تتبع توزيعًا طبيعيًا. بناءً عليه، تُحسب الخسائر المحتملة باستخدام الانحراف المعياري عن المتوسط.
– يتميز هذا المنهج بالدقة عندما تكون التوزيعات معروفة ومقدرة بشكل جيد، لكنه قد يكون مضللًا عند التعامل مع توزيعات غير نمطية أو عينات صغيرة.
|
3- محاكاة مونت كارلو
|
– هي تقنية متقدمة تستخدم نماذج حاسوبية لمحاكاة آلاف السيناريوهات الممكنة للعوائد المستقبلية بناءً على العوامل المؤثرة.
– ورغم دقتها ومرونتها، فإنها تتطلب قدرة حسابية كبيرة وفهمًا عميقًا لنمذجة المخاطر.
|
مزايا القيمة المعرضة للخطر: لماذا تحظى بهذا الزخم؟
تحظى القيمة المعرضة للخطر بشعبية كبيرة لعدة أسباب جوهرية:
– بساطة العرض: تُعبر القيمة المعرضة للخطر عن رقم واحد يلخص احتمالية الخسارة، إما كنسبة مئوية أو بوحدات سعرية، مما يجعلها سهلة الفهم والاستخدام بالنسبة للمتخصصين والمديرين على حد سواء.
– قابلية المقارنة: يمكن استخدامها لمقارنة المخاطر بين أنواع مختلفة من الأصول، مثل الأسهم والسندات والعملات والمشتقات المالية.
– دعم برمجي واسع: تُدرج معظم أدوات التحليل المالي، مثل “بلومبرج”، هذا المقياس ضمن وظائفها الأساسية بفضل شعبيته الواسعة.
انتقادات وحدود المقياس: ليس كل ما يلمع ذهبًا
على الرغم من شعبيته وانتشاره، يواجه مقياس القيمة المعرضة للخطر جملة من الانتقادات أبرزها:
– افتراضات مفرطة في التفاؤل: كثيرًا ما تفترض النماذج المستخدمة في احتساب القيمة المعرضة للخطر توزيعًا طبيعيًا للعوائد، متجاهلة بذلك “الأحداث النادرة” أو ما يُعرف بـ “البجعة السوداء”، والتي قد تُحدث خسائر فادحة تتجاوز توقعات النماذج.
– إغفال أسوأ السيناريوهات: لا تُحدد القيمة المعرضة للخطر الخسارة القصوى الممكنة، بل الحد الأدنى المتوقع عند وقوع سيناريو سيئ فقط، ما قد يُعطي المستثمرين شعورًا زائفًا بالأمان.
– هذه النماذج شديدة الحساسية للبيانات التاريخية: يُؤدي استخدام بيانات مستقاة من فترات ذات تقلب منخفض إلى تقليل تقدير الخطر الفعلي.
وقد تجلى هذا القصور بشكل صارخ خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ عجزت نماذج القيمة المعرضة للخطر عن توقع حجم المخاطر الكامنة في محافظ الرهن العقاري عالي المخاطر، ما أدى إلى خسائر هائلة وفجائية في مؤسسات مالية كبرى.
الفرق بين القيمة المعرضة للخطر والانحراف المعياري
يُعد فهم الفرق بين القيمة المعرضة للخطر والانحراف المعياري أمرًا جوهريًا في تقييم المخاطر:
– القيمة المعرضة للخطر: هو مقياس مباشر للخسارة المحتملة خلال فترة زمنية معينة؛ على سبيل المثال، قد يُشير إلى أن محفظة استثمارية معرضة لخسارة لا تقل عن 10,000 دولار خلال شهر واحد بنسبة احتمال 5%.
– الانحراف المعياري: هو مقياس لتقلب العوائد حول المتوسط. وكلما زاد الانحراف المعياري، دلّ ذلك على تذبذب أكبر في أداء الأصل المالي، مما يعني ارتفاع المخاطر الكامنة.
بمعنى آخر، القيمة المعرضة للخطر يُجيب عن سؤال “كم يمكن أن أخسر؟”، بينما الانحراف المعياري يُجيب عن سؤال “ما مدى تقلب هذا الأصل؟”
خلاصة القول
– تظل القيمة المعرضة للخطر أداة محورية في صناديق التحوط والبنوك والمكاتب الاستثمارية، كونها توفر مقياسًا واضحًا وموحدًا للخسارة المحتملة.
– لكنها، في الوقت ذاته، ليست عصا سحرية، بل مجرد تقدير إحصائي قد يُخفي أكثر مما يُظهر، لا سيّما في أوقات الاضطراب المالي.
– لذا، ينصح الخبراء بعدم الاعتماد الكلي على القيمة المعرضة للخطر، وضرورة استكماله بمقاييس أخرى مثل اختبارات الضغط وتحليل السيناريوهات، لضمان فهم شامل للمخاطر ودرء المفاجآت غير المتوقعة.
المصدر: إنفستوبيديا
(operate (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));