وفي تصعيد مفاجئ للأعمال العدائية بين البلدين، أكد التلفزيون الرسمي الإيراني في وقت لاحق مقتل اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإسلامي، فيما وصفه بأنه “اغتيال مباشر من قبل القوات الصهيونية”.
كان بمثابة الوجه العلني للاستراتيجية العسكرية الإيرانية، وكان يُنظر إليه على أنه المخطط الاستراتيجي لسياسة الحرب بالوكالة، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن. كما أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بمقتل قائد كبير آخر في الحرس الثوري الإيراني، لم يُكشف عن اسمه، وعالمين نوويين بارزين مرتبطين ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وأعلنت الحكومة الإيرانية حالة الحداد الوطني.
ضربة على النواة النووية الإيرانية
أغارت القوات الجوية الإسرائيلية على مواقع حساسة متعددة في أنحاء إيران. وكان من أبرزها مجمع نطنز المترامي الأطراف، الممتد على مساحة تقارب 100 ألف متر مربع في محافظة أصفهان، والمدفون جزئيًا تحت سهول الصحراء وسط إيران. يضم نطنز آلاف أجهزة الطرد المركزي، ولطالما كان محور قلق الغرب وإسرائيل بشأن طموحات إيران النووية.
في حين لا يزال حجم الأضرار في نطنز غير واضح، أظهرت صورٌ مبكرة بثتها وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية لفترة وجيزة، بالإضافة إلى عشرات التقارير الاستخباراتية مفتوحة المصدر، حرائق بالقرب من محطة تخصيب الوقود التجريبية فوق الأرض. تُعتبر محطة تخصيب الوقود تحت الأرض، التي يبلغ عمقها ثلاثة طوابق، أكثر مقاومةً للغارات الجوية التقليدية. ومع ذلك، يقول المحللون إن حتى الأضرار السطحية المحدودة قد تُعطل العمليات في أكثر المنشآت النووية تحصينًا في إيران.
ويمثل هذا الهجوم الإسرائيلي الأكثر مباشرة على البنية التحتية النووية الإيرانية منذ الهجوم الإلكتروني “ستوكسنت” قبل أكثر من عقد من الزمان.
البنية التحتية النووية لإيران
وفقًا للتقارير، عززت إيران برنامج تخصيب اليورانيوم بشكل مطرد على مدار السنوات الخمس الماضية، مما قلّص الوقت اللازم لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي. وقد تقلص هذا “الوقت اللازم للانطلاق”، وهو الفترة اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة للأسلحة النووية تكفي لصنع قنبلة نووية واحدة، إلى بضعة أسابيع فقط، وفقًا لتقرير رويترز الصادر عام 2024. وبموجب بنود خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، قُدّر هذا الإطار الزمني بأكثر من عام.
تُقدّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، إذا ما خُصب بنسبة 90%، لتصنيع ما يقارب أربعة رؤوس نووية. وتُصرّ طهران على أن أنشطتها النووية مُخصّبة لأغراض سلمية.
منشآت نووية أخرى
– فوردو: في حين تظل نطنز الموقع الأكثر أهمية في الهندسة النووية الإيرانية، فإن فوردو، الواقعة في مدينة قم جنوب طهران، هي الأكثر تحصيناً.
بُنيت منشأة فوردو سرًا وكُشف عنها عام 2009 من قِبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي محفورة في أعماق جبل، مما يوفر حماية من الضربات الجوية أو الصاروخية. وقد أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، أن حجم المنشأة وبنيتها “لا يتوافقان مع برنامج نووي سلمي”.
وعلى الرغم من أن منشأة فوردو كانت محظورة في الأصل من أنشطة التخصيب بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنها تستضيف أكثر من 1000 جهاز طرد مركزي، بما في ذلك عدد متزايد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من طراز IR-6، وبعضها يعمل على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 60%، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية والدولية.
وفي عام 2024، ضاعفت إيران عدد أجهزة الطرد المركزي المثبتة في الموقع، وكلها من طراز IR-6، مما يعزز قدرتها على التصعيد بسرعة إلى مستويات التخصيب اللازمة لصنع الأسلحة إذا اختارت ذلك.
– أصفهان: مجمع نووي متعدد الأغراض يقع على مشارف أصفهان وسط إيران. في منشأة تحويل اليورانيوم (UCF)، تتم معالجة يورانيوم الكعكة الصفراء إلى سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهو الشكل الغازي المستخدم في أجهزة الطرد المركزي للتخصيب.
– خونداب: يقع بالقرب من مدينة أراك غرب إيران. عُرف سابقًا باسم مفاعل أراك للماء الثقيل، ويتميز بإمكانية إنتاج البلوتونيوم، وهو مسار آخر لصنع قنبلة نووية.
بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، توقف البناء، وأُزيل القلب الأصلي وأصبح غير صالح للتشغيل باستخدام الخرسانة. وكان من المقرر إعادة تصميم المفاعل لتقليل إنتاج البلوتونيوم وجعله غير صالح للاستخدام في الأسلحة.
– مفاعل طهران البحثي: يُستخدم مفاعل الأبحاث في العاصمة بشكل أساسي للأغراض الأكاديمية والطبية. هذا المفاعل، الذي زودته الولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي، يستخدم وقودًا قامت إيران بتخصيبه محليًا في السنوات الأخيرة.
ورغم أن المركز البحثي غير مصمم لإنتاج الأسلحة، فإنه يعمل أيضًا كأرض تدريب للعلماء والمهندسين النوويين الإيرانيين.
– بوشهر: تقع محطة بوشهر النووية جنوب إيران، على ساحل الخليج العربي، وهي محطة الطاقة النووية المدنية الوحيدة العاملة في إيران. شُيّدت المحطة بمساعدة روسية، وهي تعمل بالوقود الروسي الذي يُعاد إلى روسيا بعد الاستخدام.
طهران تحت النار
استيقظ سكان طهران على دوي انفجارات وصفارات إنذار الغارات الجوية في الساعات الأولى من صباح الجمعة. وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من منطقة تشيتجار الغربية، على الرغم من عدم وجود منشآت نووية معروفة في تلك المنطقة.
بعد ساعات، أعلنت هيئة الطيران المدني الإيرانية إغلاق المجال الجوي للبلاد. كما أعلنت إسرائيل إغلاقًا كاملًا للمجال الجوي ورفعت حالة التأهب القصوى على طول حدودها الشمالية والجنوبية.
أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس بيانا أكد فيه مسؤولية إسرائيل عن الهجوم، مشيرا إلى أنه: “في أعقاب الضربة الاستباقية التي وجهتها دولة إسرائيل ضد إيران، من المتوقع وقوع هجوم صاروخي وطائرات بدون طيار ضد دولة إسرائيل وسكانها المدنيين في المستقبل القريب”.