الاقتصاد القياسي .. عندما تلتقي النظرية بالواقع

“كلما زاد الدخل، زاد الإنفاق”، هذه جملة تبدو منطقية، لكنها تطرح أكثر مما تجيب: كم تحديدًا يزيد الإنفاق عندما يرتفع الدخل؟ وهل هذا الارتباط ثابت في كل الدول؟ هنا يأتي دور الاقتصاد القياسي، كأداة تربط بين النظرية الاقتصادية المجردة، وواقع الناس وحياتهم اليومية.

الاقتصاد القياسي

 فرع من فروع علم الاقتصاد يركز على تطبيق الأساليب الإحصائية والرياضية لتحليل وقياس العلاقات الاقتصادية الواقعية بين المتغيرات، مثل تأثير الدخل على الاستهلاك أو العلاقة بين التضخم وسعر الصرف.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

كيف يعمل؟

يدمج الاقتصاد القياسي بين النظرية الاقتصادية والرياضيات والإحصاء في إطارٍ متكامل؛ فالنظرية تضع الفرضيات حول العلاقات بين المتغيرات.

دور الرياضيات

 وتقوم الرياضيات بصياغتها في شكل معادلات قابلة للقياس، ثم يأتي دور الإحصاء لاختبار هذه الفرضيات باستخدام بيانات واقعية، بهدف تقدير قوة العلاقة واتجاهها، وقياس مدى صلاحية النموذج في تفسير الظواهر الاقتصادية.

صياغة المصطلح

– يُنسب الفضل إلى الاقتصادي النرويجي “راجنار فريش” في صياغة مصطلح “الاقتصاد القياسي” (Econometrics) في مقال له عام 1926، حيث دعا إلى ضرورة أن يتبع علم الاقتصاد نفس المنهجية النظرية والتطبيقية المتبعة في العلوم الطبيعية الأخرى كالفيزياء.

مؤسسات ودوريات

– انعقد الاجتماع السنوي الأول لجمعية الاقتصاد القياسي في لوزان سبتمبر 1931، بعد أن أصدر “فريش” و”جوزيف شومبيتر” مذكرة في بون تدعو إلى نشر مجلة، وأطلقت الجمعية مجلة علمية باسم “إيكونومتريكا” عام 1933.

الدورات الاقتصادية

– في مواجهة الكساد الكبير، بدأ “فريش” بالدعوة إلى الاقتصاد القياسي كأداة لحل مشاكل الاقتصاد والمجتمع، حيث كان يؤمن بأن على خبراء الاقتصاد القياسي مسؤولية خاصة للانخراط في العمل الاجتماعي وإحداث تغيير إيجابي، ومنذ منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، كتب بإسهاب عن دورات الأعمال.

الاقتصاد السياسي

– متأثرًا بدمار الحرب العالمية الثانية، طوّر “فريش” وجهة نظر مفادها أن الاقتصاد والسياسة لا يمكن أن يعملا منفردين لحل مشاكل العالم، بل يجب أن يتعاونا لإحداث تغيير في المجتمع، كما طور أدوات تخطيط ونماذج نمو استخدمتها الحكومة النرويجية بنجاح بعد الحرب.

أهمية البرمجيات

 –  يعتمد الاقتصاد القياسي على أدوات برمجية متخصصة مثل “ستاتا” و”إي فيوز” ولغات البرمجة “آر” و”بايثون”، ولا تقتصر هذه الأدوات على تحليل البيانات فقط، بل تُستخدم أيضًا في بناء النماذج الاقتصادية، وتقدير المعلمات، وتقديم محاكاة لتأثير السياسات المختلفة.

فائدة واسعة

– يُستخدم في تحليل آثار السياسات الحكومية، كفرض الضرائب ورفع الدعم، وتستفيد منه الشركات في التنبؤ بالطلب وفهم سلوك المستهلكين، كما تعتمد عليه البنوك المركزية في رسم السياسة النقدية، وتوظفه الجامعات في تطوير نظريات اقتصادية قائمة على البيانات.

التحديات والقيود

– رغم قوته، يواجه الاقتصاد القياسي تحديات مثل توفر البيانات وجودتها، وصعوبة عزل تأثير متغير واحد عن بقية العوامل، كما أن تفسير النتائج يتطلب حذرًا، إذ لا يعني وجود ارتباط إحصائي بين متغيرين بالضرورة أن أحدهما يسبب الآخر.

المصادر: أرقام – كتاب أساسيات الاقتصاد القياسي لـ “جوجاراتي وبورتر” – جمعية الاقتصاد القياسي – جامعة كامبريدج – نيو وورلد إنسايكلوبيديا