– وسط الأضواء المتلألئة للملاعب العالمية، كان نجم التنس الفنلندي إميل روسوفوري يحقق إنجازًا تلو الآخر، ويصعد بثبات في تصنيفات النخبة.
– لكن خلف الكواليس، ذاق مرارة صراع خفي لا يراه أحد؛ قال بكلمات موجزة ومريرة إنه شعر أن “جسده في مكان، وعقله في مكان آخر تمامًا”.
– تكشف هذه العبارة عن رحلة مضنية من الانهيار الداخلي، بدأت بهواجس خفية تصاعدت إلى نوبات هلع، وفقدان للوعي، وانتهت بانسحاب مفاجئ من ميادين الرياضة.
– إنها ليست مجرد قصة شخصية، بل مرآة تعكس واقعًا قاسيًا يعيشه العديد من الرياضيين في صمت.
بين المجد والانهيار: المفارقة القاسية
– رغم صعوده المذهل في عالم التنس وتحقيقه انتصارات لافتة، كان روسوفوري ينهار من الداخل. لم تُفلح الألقاب والجوائز في إخماد القلق المتصاعد الذي اجتاح جسده.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
– عانى من نوبات بكاء، وضيق في التنفس، وارتجاف متكرر، وكلها إشارات مبكرة، تجاهلها الجميع، وربما تجاهلها هو نفسه.
– وفي قمة مجده، خلال تأهله إلى الدور الثالث من بطولة ويمبلدون، لم يكن حاضرًا سوى بجسده؛ أما عقله، فكان تائهًا، وعاجزًا عن التفاعل مع اللحظة.
– حين توقف لاحقًا عن اللعب، لم يكن ذلك انسحابًا من المنافسة، بل استجابة غريزية من جسد أنهكته سنوات من المقاومة الصامتة.
الجهاز العصبي لا ينسى
– ما حدث لروسوفوري ليس استثناءً، بل هو نموذج لآلية دفاعية فطرية لدى الإنسان؛ فعندما يشعر الجهاز العصبي بأن الضغط تجاوز قدراته، ينتقل إلى وضعيات قصوى: من “القتال أو الهروب” إلى “الانهيار الكامل”. هذا ليس خيارًا واعيًا، بل هو رد فعل عصبي هدفه الأسمى: البقاء.
– يصف علماء الأعصاب هذه الحالة بـ “اختلال التنظيم العصبي”، حيث لا تنبع الاستجابات السلوكية من وعي منطقي، بل من إشارات جسدية غير مرئية؛ وفيما يحاول العقل أن يُظهر القوة، يبقى الجسد عاجزًا عن الكذب.
راحة تهدد بالانفجار
– في مفارقة مؤلمة، لم يُحدث توقف البطولات الراحة المتوقعة، بل فتح الباب لأزمة أعمق. فعندما غاب الصخب، ظهر الفراغ، بكل ثقله وتهديده. أصبح الصمت عبئًا، والهدوء محفزًا لقلق جديد.
– روى روسوفوري أنه حين توقفت العجلة، شعر بأنه “لا يملك شيئًا ليفعله”. لم يكن ذلك فراغًا عابرًا، بل كان سقوطًا حادًا في هوة من الانفصال العصبي، حيث يفقد الإنسان قدرته على التفاعل مع الحياة نفسها.
عبودية الأداء: الوجه الآخر للنجاح
– إننا نعيش في عصر يقدّس الإنجاز، ويمجّد الأداء، ويقيس الإنسان بعدد انتصاراته وصعوده المستمر. في هذا المناخ، يتحول النجاح من إنجاز إلى عبء، والجسد من كيان حي إلى آلة إنتاج.
– بالنسبة للرياضيين، لا يقتصر الأداء على المهارات، بل يصبح تمثيلًا لتوقعات لا تنتهي: من الرعاة، ووسائل الإعلام، والجماهير، وحتى الذات. وتحت هذا الضغط، تتحول الاستمرارية إلى خطر صامت.
– اعترف روسوفوري لاحقًا بأنه اعتقد أن “تجاهل الألم” هو الحل، في انعكاس لتلك الثقافة التي تمجّد الصمود الزائف. لكنه أدرك لاحقًا أن مواصلة التنافس لا تعني الشفاء، وأن البقاء في دوامة الأداء قد يفاقم الانهيار.
حين يطلب الجسد النجدة
– مع مرور الوقت، أصبحت الإشارات أكثر قسوة؛ اضطرابات في النوم، وغياب كامل للحافز، وأفكار سوداوية مؤلمة.
– قال روسوفوري إنه كان يستيقظ دون رغبة في النهوض… وبدأ يتساءل: هل يريد حقًا أن يستمر في العيش؟
– هذه ليست مجرد أعراض اكتئاب، بل مؤشرات على أن الجسد قد فعّل آلية البقاء عبر الانسحاب الكامل. إنها صيحة استغاثة من جهاز عصبي وصل إلى حد الانفصال، عاجز عن مواصلة المقاومة.
بداية التعافي: يبدأ من الشعور بالأمان
– لم يبدأ طريق التعافي بالإرادة وحدها، بل بإشارات بسيطة من القبول الإنساني. علاقات تمنح الطمأنينة، وتؤكد للمرء أنه ليس وحده.
– حين شعر روسوفوري بوجود من يفهمه، لا ليصلحه بل ليرافقه، بدأ يشعر بأن عبء الصراع يخف؛ ولم يعد مضطرًا لإثبات شيء لأحد، بل بدأ يستكشف كيف يكون نفسه، بكل ما فيه من هشاشة وقوة.
– والحقيقة التي يوضحها روسوفوري اليوم هي أن الأمان ليس رفاهية، بل هو الأساس الذي يُبنى عليه الأداء المستدام.
– حين يشعر الجسد بالأمان، يعود التنفس طبيعيًا، وتنساب الحركات بسلاسة، ويتناغم العقل مع الجسد؛ هذا هو الأداء الحقيقي: ليس ذلك الذي يصدر عن القلق، بل ذلك الذي يولد من الطمأنينة.
صرخة في وجه ثقافة الإنجاز القاسي
– تتجاوز قصة إميل روسوفوري ملاعب التنس؛ إنها دعوة لإعادة النظر في علاقتنا بالنجاح، وبأجسادنا، وبالثقافة التي تحوّل الإنجاز إلى استنزاف.
– إنها تذكير بأن الإنسان ليس آلة، وأن جسده، مهما تجاهلناه، يعرف متى يضغط زر التوقف؛ فهل نتعلم كيف نصغي قبل فوات الأوان.
المصدر: سيكولوجي توداي
(operate (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));