ففي مستشفى ميداني ببلدة أكوبو الحدودية مع إثيوبيا، يعالج أطباء الصليب الأحمر عشرات المصابين بجروح خطيرة، معظمهم من المدنيين الذين طالهم القصف الجوي أو أصيبوا في المعارك البرية التي اجتاحت ولايات عدة، ولا سيما في أعالي النيل وجونقلي.
النساء والأطفال
تشير شهادات الضحايا والكوادر الطبية إلى أن كثيرًا من الهجمات وقعت في مناطق مكتظة بالسكان، ما أدى إلى سقوط أعداد متزايدة من النساء والأطفال بين القتلى والمصابين.
وعلى الرغم من تأكيد الجيش أنه يستهدف فقط المقاتلين، فإن منظمات الإغاثة نقلت روايات توثق استهداف مرافق طبية ومنشآت إنسانية، من بينها مستشفى تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في فانجاك، تعرض لقصف في 3 مايو، أسفر عن مقتل سبعة أشخاص. كما أدى قصف جوي لاحق على قرية ويشمون إلى مقتل 12 شخصًا، بينهم ثمانية أطفال، بحسب مصادر محلية.
وفي ظل تصاعد العنف، نقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر العديد من الجرحى إلى منشآت ميدانية مؤقتة. إلا أن صعوبة الوصول إلى المناطق النائية بسبب القتال أعاقت عمليات الإجلاء الطبي، ما تسبب في وفاة بعض الجرحى خلال انتظارهم المساعدة.
احتقان سياسي
بدأت الجولة الجديدة من التصعيد في مارس الماضي، حين اجتاحت ميليشيا محلية معروفة في الأوساط الشعبية ثكنات عسكرية في بلدة ناصر، وردت الحكومة بحملة أمنية شاملة، اتُهمت خلالها باستخدام أسلحة حارقة بدائية، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، بينهم أطفال، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية.
وفي سياق التصعيد السياسي، فرضت السلطات الإقامة الجبرية على النائب الأول للرئيس، واعتقلت عددًا من أعضاء حزبه، متهمة إياهم بالضلوع في الهجوم على القوات النظامية. كما استعانت الحكومة بقوات أجنبية، لدعم عملياتها العسكرية، ما أثار تساؤلات حول حجم التدخلات الخارجية التي تعمّق الأزمة بدلًا من حلّها.
وتوسعت رقعة المواجهات لتشمل مناطق جديدة لم تكن مسرحًا للقتال سابقًا، مثل شمال ولاية جونقلي. وفي هذه المناطق، أفاد شهود عيان بأن عشرات المدنيين قُتلوا في قرى معزولة، يصعب على الصحفيين أو منظمات الإغاثة الوصول إليها، لتوثيق ما حدث بدقة.

الوضع الإنساني
تشهد مناطق أعالي النيل الكبرى، التي تدور فيها معظم المواجهات، أزمات إنسانية مركبة. فبالإضافة إلى العنف، تواجه هذه المناطق كوارث مناخية متكررة، وارتفاعًا حادًا في معدلات انعدام الأمن الغذائي، وانتشارًا للأوبئة. وبحسب السكان المحليين، يعيش الأهالي في حالة من الخوف الدائم، ويتنقلون ليلًا بحثًا عن الأمان، ويخشون عودة الطائرات الحربية.
والمنظمات الإنسانية، ومن بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تؤكد أن البنية الصحية في تلك المناطق منهكة، وأن إمكاناتها لم تعد قادرة على استيعاب أعداد الضحايا، خصوصًا مع تزايد الإصابات بين الأطفال والنساء.
أبرز الأضرار التي يعانيها جنوب السودان نتيجة النزاع:
• سقوط أعداد متزايدة من الضحايا المدنيين.
• انهيار البنية التحتية الصحية والتعليمية في مناطق القتال.
• نزوح آلاف العائلات وتفاقم أزمة اللاجئين داخليًا وخارجيًا.
• تصاعد معدلات انعدام الأمن الغذائي وانتشار الأمراض.
• تدمير المنشآت الإنسانية ومنع وصول المساعدات.

أبرز التدخلات الخارجية وتأثيرها على جنوب السودان:
1. الدعم العسكري واللوجستي لفصائل النزاع
تلقت أطراف متعددة في النزاع السوداني دعمًا مباشرًا من قوى إقليمية، سواء عبر إمدادات السلاح أو الخبراء العسكريين، مما أسهم في إطالة أمد الصراع، ورفع كلفته الإنسانية.
2. التأثير السياسي من قِبل الدول الإقليمية
مارست بعض الدول المجاورة ضغوطًا على الأطراف السودانية، لخدمة مصالحها الخاصة، ما قاد إلى تعقيد مسارات التفاوض، وتقويض الجهود الأممية لتحقيق تسوية سياسية دائمة.
3. تورط أطراف دولية في إدارة موارد جنوب السودانتدخلات اقتصادية عبر شركات أجنبية ومصالح في الذهب والنفط والزراعة عززتا من سيطرة مجموعات مسلحة على مناطق إستراتيجية، وفاقمتا من ظاهرة اقتصاد الحرب.
4. وجود مرتزقة وقوات غير نظامية عبر الحدودرُصد انتقال عناصر قتالية من دول مجاورة، للانخراط في النزاع السوداني، سواء كدعم مباشر أو لقاء مقابل مادي، ما أدى إلى عسكرة النزاع وتهديد الأمن الإقليمي.
5. الضغوط الغربية عبر العقوبات والمساعدات المشروطةاستخدمت قوى غربية أدوات العقوبات أو شروط التمويل الإنساني للتأثير على قرارات الحكومة الجنوب سودانية، وهو ما زاد من هشاشة مؤسسات الدولة بدلًا من دعم استقرارها.
6. تنافس إقليمي – دولي على النفوذبات جنوب السودان ساحة صراع غير معلن بين قوى إقليمية ودولية متنافسة، ما حوّله من أزمة داخلية إلى ملف جيوسياسي معقّد يعرقل أي حل وطني مستقل.
7. إضعاف المبادرات الوطنيةأدّت التفاهمات الدولية خلف الكواليس أحيانًا إلى تجاوز الإرادة الشعبية أو تجاهل المبادرات المحلية، ما أفقد الجنوب سودانيين الإحساس بالسيادة على مسارهم السياسي.