يكثر الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي سواء في وقتنا الحاضر أو في مستقبلنا في مختلف المجالات، حيث يتنامى دوره في صناعة المحتوى وفي الهندسة والطب، ولكن أحد أهم المجالات التي يظهر الذكاء الاصطناعي دورًا استثنائيًا فيها هي أسواق الأسهم التي استعانت بالخوارزميات منذ وقت مبكر قياسًا بغيرها من المجالات.
فوفقًا لآخر دراسة أجريت على السوق الأمريكي فإن 70-75% من التداولات تتم باستخدام الذكاء الاصطناعي، إما بصفة كاملة أو بصفة جزئية أو استثشارية، وتتصاعد باستمرار النسبة التي تتم بشكل آلي بالكامل، لا سيما في كبرى مؤسسات وشركات إدارة الأصول والتداول في سوق الأسهم، خاصة مع تداخل كثير منها بين أسواق العملات، سوءا الفوركس أو الرقمية وسوق الأسهم والذهب والمعادن والسلع.
نظم مغلقة
وتتفاوت نسبة التداولات القائمة على الخوارزميات في الأسواق العالمية، فتتراوح بين 20-25% في المتوسط في الأسواق النامية، ولا تتجاوز 50-55% في الأسواق الأسيوية الرئيسية إلا أن نسبة تلك التداولات ترتفع باستمرار أي أن التوجه الواضح هو لزيادتها وليس لتقليصها، لاسيما على أيدي الشركات العملاقة القادرة على تحمل تكلفة الذكاء الاصطناعي.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وتُظهر أكبر ثلاث شركات لإدارة الأصول في العالم، “بلاك روك” و”فانجارد” و”ستيت ستريت”، تباينًا ملحوظًا في مدى اعتمادها على الذكاء الاصطناعي في عمليات التداول واتخاذ القرارات الاستثمارية. تُعطي بلاك روك وزنًا كبيرًا لبرنامجها الشهير للذكاء الاصطناعي “علاء الدين”، بينما على النقيض تتبع فانجارد نهجًا يدمج بين العنصر البشري والتقني، ولا تُظهر ستيت ستريت ثقة كاملة في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتُفضل الاعتماد على الخبرة البشرية بشكل أساسي.
باستثناء خوارزميات الذكاء الاصطناعي المغلقة، وأبرزها “علاء الدين” الذي بدأ تطويره قبل أكثر من ثلاثة عقود، لا تزال معظم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي وأسواق الأسهم في مراحلها الأولى، فهي التطبيقات حديثة وغير مستقرة، وتحتاج إلى وقت طويل نسبيًا لتصل إلى مستوى من “النضج” يسمح لها بالتعامل بكفاءة في أسواق الأسهم المعقدة.
ولكن كافة عمالقة الاستثمار الذين يستغلون الخوارزميات والذكاء الاصطناعي يعتمدون على نظم مغلقة يتم تغذيتها من خارج شبكة الإنترنت المفتوحة، ولعل أبرز مثال على ذلك شركة “رينيسانس تكنولوجي” والتي تحقق أرباحًا تصل إلى 30% بفضل نظام خوارزميات معقد أنشأه عباقرة في الرياضيات والإحصاء، وتشترط الشركة على المستثمرين لديها عدم معرفة أي شيء عن نظامها أو كيفية عمله أو تغذيته بالبيانات.
للخوارزميات أنواع
وللمقارنة بين نوع الذكاء الاصطناعي والخوارزميات المتاحة للمتداول العادي ولتلك الشركات، فإن الدراسات تشير إلى أن خطط “شات جي بي تي” الاستثمارية في الأسهم تحقق أرباحًا لا تتجاوز 1% أكثر من المتداول العادي، ولكن تتحسن هذه النسبة باستمرار مع استمرار حصد نموذج الذكاء الاصطناعي للمعارف.
ويبدو “شات جي بي تي” أكثر نجاعة حالة توجيهه بالأساس لتلافي الخسارة من 95% من المتداولين العاديين، ولكنه لا يصل أبدًا إلى درجة نجاح “علاء الدين” أو خوارزميات شركة مثل “رينيسانس تكنولوجي”.
ويوضح أنواع الخوارزميات التي يتم استخدامها في سوق الأسهم لتنمية الأرباح كي يستفيد قلة محدودة للغاية من المضاربات على حساب غالبية الخاسرين:
النوع
|
الوصف
|
|
الاستخدام
|
خوارزميات التنفيذ
|
تستهدف الحصول على أفضل سعر ممكن عند تنفيذ أمر كبير
|
|
تستخدمها المؤسسات لتقليل تأثير السوق
|
خوارزميات المراجحة
|
تستغل الفروقات السعرية بين الأسواق
|
|
مثل شراء سهم في بورصة نيويورك وبيعه في لندن لاختلاف في سعر سهم يتم تداوله في البورصتين ولو كان طفيفًا بنسبة 1% أو اقل
|
خوارزميات الزخم
|
تعتمد على تتبع الاتجاهات السعرية وتعتمد على تحركات كثيرة سريعة
|
|
تشتري عند بداية الصعود وتبيع عند بداية الهبوط
|
خوارزميات التداول الإحصائي
|
تعتمد على نماذج رياضية لتحديد فرص غير متوازنة
|
|
مثل أزواج الأسهم المتقاربة تاريخيًا مثل ما هو معروف حول ارتباط أسهم بعض شركات الطاقة مع بعضها البعض أو شركات شبكات التواصل الاجتماعي
|
خوارزميات التداول عالي التردد
|
تنفذ آلاف الصفقات في أجزاء من الثانية
|
|
تعتمد على السرعة الفائقة
|
ويُقدر بنك “بيبر ساندلر” للاستثمار أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تُمكن المتداولين من تحديد “ثغرات” في السوق، ما يتيح لهم شراء أسهم ذات إمكانات نمو عالية على المدى القصير. على سبيل المثال، فإن أسهم قطاع التكنولوجيا في السوق الأمريكي (ناسداك) وحدها حققت ارتفاعًا بقيمة 100 مليار دولار خلال 2023 بفضل هذه الثغرات، وحصد كبار المتداولين المعتمدين على الخوارزميات تلك المكاسب.
وتقود مثل تلك التحركات إلى تعظيم المكاسب الآنية، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب صغار المتداولين الذين لا يملكون نفس الإمكانيات للوصول إلى الذكاء الاصطناعي “المدرب” على أسواق المال، أو حتى تقوم بعد التحركات مثل التداول عالي التردد أو المراجحة بالتسبب في تضخم الأسواق بشكل غير مبرر مع الوقت.
خسائر ومكاسب
واللافت هنا أن متداولين كبارا لديهم القدرة بالتأكيد على استخدام الذكاء الاصطناعي المعقد، مثل “وارين بافيت” و”بيتر لينش” وغيرهما لكن ما زالوا يصرون على أهمية العامل البشري في التداول، وعلى ذلك تجنب “بافيت” مثلًا الخسائر في التقلبات الأخيرة في سوق الأسهم.
فقد أشارت تقارير إلى خسائر لافتة في الكثير من الشركات التي تعمل بنظام خوارزميات الذكاء الاصطناعي في ظل اعتماد الأخير على “السوابق التاريخية” من أجل اتخاذ قراراته الحالية، ومع التقلب الشديد يصبح الاعتماد على الأنماط المعتادة أمرًا محفوفًا بالمخاطر، حتى إن بعض تلك الشركات علقت التجارة الآلية بشكل كامل خلال الفترة الماضية.
ومن ذلك أن الشركة التي ضربنا بها المثال في حصد الأرباح من التداول لآلي، “رينيسانس تيكنولوجي”، خسرت 8% من قيمة محفظتها المالية، وذلك على الرغم من انخراطها في التداول أثناء أزمة سوق الأسهم الأمريكية الأخيرة، إلا أن خوارزميات التداول التي أسعفتها في الأوقات غير المتقلبة بشدة لم تفعل ذلك مع التذبذب الكبير في السوق وسيادة الصورة الضبابية للمشهد.
وعلى الرغم من تلك الخسائر فإن الخوارزميات والتجارة كبيرة الحجم بأساليبها المختلفة تحقق أرباحًا سريعة و”مضمونة” إلى حد بعيد بالنسبة لكبرى الشركات العاملة في سوق الأسهم، بشكل يخل بـ”عدالة المنافسة” بين المستثمر الفردي والمؤسسات.
فهل أصبح المستثمر الفردي عاجز عن النجاح في صور الأسهم؟ لا شك أن السوق أصبح أكثر صعوبة للمستثمر الفردي بسبب هيمنة الخوارزميات وأصحاب الأموال الضخمة، لكن لم يُغلق الباب تمامًا، فلا تزال هناك فرص، ولكنها تتطلب وعيًا أكبر، أدوات أفضل، واستراتيجيات أكثر تحفظًا، والعنصر الأخير هو الأهم، فكما قيل عن حق فإن “الأوضاع المعقدة لا يجب أن تصيبنا بالشلل، ولكن تفرض علينا حسابات أدق”.
كما يجب على المتداول التمتع بقدر كبير من “رباطة الجأش” بعد اتخاذ قراره بالاستثمار في سهم ما، بعد دراسة كافية بناء على علم واف، حيث إن استمرار تجارة الخوارزميات من شأنه دفع السعر للارتفاع والانخفاض بشكل مستمر، بما قد يضغط على أعصابه ويؤدي به للوقوع بشكل أسهل في فخ الطمع أو الهلع.
المصادر: أرقام- وول ستريت جورنال- ايكونوميست- بيزنيس إنسايدر- بلومبرغ
(perform (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.internet/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));