قصة نجاح .. أوجست هورش الأب الروحي للسيارات السريعة ومؤسس أودي

– في الثاني عشر من أكتوبر عام 1868، وُلد أوجست هورش في قرية “فينينجن” الهادئة، الواقعة على ضفاف نهر الموزيل بألمانيا؛ لعائلة متواضعة؛ فوالده كان حدادًا لا يملك من حطام الدنيا سوى مهنته اليدوية ومكانته البسيطة في المجتمع.

– لكن من بين شرارات الحديد المتطايرة وصوت المطرقة، نما شغف فتيّ بالميكانيكا، شغف حمل صاحبه لاحقًا إلى قمة صناعة السيارات العالمية، وترك اسمه محفورًا في ذاكرة كل عاشق للمحركات.

رحلة صعود بدأت من ورشة حدادة

– بدأت ملامح شغف هورش بالهندسة تتبلور مبكرًا، فبعد أن أنهى دراسته الابتدائية، بدأ التدريب كحداد؛ إلا أن طموحه تجاوز حدود المهنة التي ورثها عن والده، فاجتاز امتحان الأستاذية، ثم شرع في رحلة واسعة استمرت ثلاث سنوات جاب خلالها مناطق عدة من أوروبا الشرقية، بين الإمبراطورية النمساوية المجرية وصربيا وبلغاريا.

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

– لم تكن تلك الرحلات ترفًا، بل كانت تجربة حياة غنية صقلت رؤيته الفنية والعملية، ومهدت لدخوله الجامعة التقنية في “ميتفايتا” (ساكسونيا)، حيث درس الهندسة الميكانيكية وتصميم المحركات.

– وصف هورش لاحقًا تلك المرحلة بأنه كان مهووسًا بالرغبة في التعلم آنذاك، في تعبير صادق عن شغفه العميق بالمعرفة.

البداية مع “بنز”… حيث وُضعت أولى لبنات الشغف

– في عام 1890، بدأ هورش مسيرته العملية في حوض لبناء السفن في “روستوك”، ثم عمل في “لايبزيج” على تطوير محركات الطوربيد.

– غير أن التحول الأهم في حياته جاء عام 1896، حين انضم إلى شركة “بنز وشركاه” في “مانهايم”، كبرى شركات تصنيع السيارات في العالم آنذاك. ولم يمضِ سوى أربعة أشهر، حتى عيّنه كارل بنز نفسه مديرًا لمصنع المركبات الآلية.

– لكن طموحات هورش كانت أكبر من حدود الشركة؛ فقد حلم بسيارات أسرع وأقوى من الموديلات السائدة، التي لم تتجاوز سرعتها القصوى 18 كيلومترًا في الساعة.

– وعندما لم يجد أذنًا صاغية لأفكاره داخل “بنز”، قرر في عام 1899 أن يسلك طريقه الخاص، فأسس شركته “أ. هورش وشركاه” في “إرينفيلد” بكولونيا، بدعم من تاجر الأقمشة سالي هيرز.

هندسة مبتكرة… بلا مردود تجاري ملموس

– كرّست الشركة في بداياتها جهودها لإصلاح المحركات، بينما كان هورش يُحكم تصوره لسيارة أحلامه خلف الستار.

– قدّم الرجل العديد من براءات الاختراع، لعل أبرزها مفتاح تبديل سرّع اشتعال المحركات، ليقود بعدها أولى سياراته التي صممها بنفسه.

– اتسمت تلك المركبة بالبساطة؛ وخلوها من الأبواب، واعتمادها على فوانيس الشموع، إلا أنها حملت للمرة الأولى ابتكارات فارقة، مثل القابض الاحتكاكي وعمود الكاردان.

– ورغم وضوح رؤيته في “تصنيع سيارات كبيرة، وقوية، وموثوقة”، فإن تكلفة إنتاجها الباهظة جعلتها بعيدة عن متناول شريحة واسعة من المستهلكين، مما أثر سلبًا على نجاحه التجاري.

– وفي عام 1904، انتقل هورش إلى مدينة “تسفيكاو” ليؤسس شركة مساهمة، وينطلق مجددًا نحو المجد من قلب ساكسونيا.

نجاح محدود… وأزمة اسم تجاري

– شهدت سيارات هورش نجاحًا محدودًا ولكنه مستقر، وبدأت تبرز في سباقات السيارات، في مفارقة لافتة؛ إذ لم يحمل الرجل رخصة قيادة قط؛ لكن الخلافات مع المساهمين في الشركة عام 1909 دفعته للانفصال وتأسيس شركة جديدة.

– قوبل استخدامه لاسم “هورش” برفض قانوني بعد نزاع خسره أمام شركته السابقة. هنا، لمعت فكرة لدى ابن أحد شركائه؛ اقترح ترجمة اسم “Horch” الألمانية، التي تعني “استمع”، إلى اللاتينية حيث تقابلها كلمة “Audi” وهكذا، شهد العالم مولد علامة “أودي”.

من سباقات الألب إلى قمة المجد

– خرجت أول سيارة تحمل اسم “أودي” من المصنع في 24 أغسطس 1910؛ وبحلول عام 1914، سطرت سيارة “أودي فئة سي” اسمها بأحرف من نور بفوزها في جولة الألب الشهيرة، لتُلقب لاحقًا بـ “ألبنسيجر”، أي “منتصر الألب”.

– واستمر أوجست هورش في قيادة هذه السيارة شخصيًا لأكثر من 15 عامًا، قبل أن يتبرع بها للمتحف الألماني في ميونيخ، حيث لا تزال معروضة حتى اليوم شاهدة على إرثه.

مهندس تحول إلى مربي دجاج!

– مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحوّلت “أودي” لتصنيع العربات المدرعة ومدافع الهاون تلبية لمتطلبات الحرب.

– وبعد انقضاء الصراع، بدأ هورش يبتعد تدريجيًا عن عالم السيارات؛ وقدم في عام 1923 أحد أبرز إسهاماته بتطبيق القيادة على الجهة اليسرى، والتي أصبحت معيارًا عالميًا لاحقًا؛ كما ساهم في إدخال المعادن الخفيفة والفولاذ عالي القوة في تصنيع المحركات وعلب التروس.

– جرّب هورش حظه في ميادين أخرى، كتربية الدواجن وزراعة الكروم، إلا أن النجاح لم يحالفه كرجل أعمال في هذه المجالات.

من الاندماج إلى الإرث الخالد

– مع اشتداد تداعيات الكساد الكبير، اضطرت شركات “هورش”، و”أودي”، و”دي كاي دبليو”، و”فانديرر” للاندماج عام 1932، تحت مظلة “أوتو يونيون”.

– شكّل هذا الاندماج ثاني أكبر مصنع سيارات ألماني بعد “أوبل”، ومن هنا وُلد شعار الحلقات الأربع الذي تزين به سيارات “أودي” حتى اليوم، رمزًا للوحدة بين الشركات الأربع التي صنعت هذا الإرث العريق.

– شغل هورش منصبًا في مجلس الإشراف، وواصل تقديم خبراته حتى مع تقدمه في العمر، وكتب مذكراته تحت عنوان “لقد صنعت سيارات”.

إرث لا يُنسى في عالم السيارات

– عاش أوجست هورش ليرى إعادة تأسيس “أوتو يونيون” بعد الحرب في مدينة “إنجولشتات”، لكنه توفي فقيرًا في 13 فبراير 1951، وهو يحمل لقب مواطن فخري وشهادة دكتوراه فخرية، تاركًا خلفه إرثًا لا يُقدر بثمن.

– أما “أودي”، فقد واصلت صعودها لتصبح جزءًا من مجموعة “فولكس فاجن” منذ أواخر الستينيات، محتفظة بروح مؤسسها.

– وفي عام 2020، سجّلت الشركة أكثر من 1088 براءة اختراع، لتكون ضمن أكثر الجهات ابتكارًا في ألمانيا؛ وهو إنجاز بلا شك كان ليفرح به أوجست هورش، الذي أراد دومًا أن يصنع سيارات سريعة… ومبتكرة.

– ورغم أن اسم “هورش” لم يعد يظهر على سيارات حديثة تجوب الشوارع، فإن إرث أوجست هورش حاضر وبقوة في كل مركبة تخرج من مصانع “أودي”، حيث لا تزال روحه المبتكرة ورؤيته المتقدمة تلهم تصاميم المستقبل.

– كان هورش مهندسًا لا يرضى بالقوالب الجاهزة، بل تحدى القيود التقنية والتجارية لعصره، وكرّس حياته لصناعة سيارات تجمع بين الأداء القوي والدقة الهندسية والابتكار المتواصل.

– و تظل قصة هورش تذكيرًا بأن العظمة لا تُولد من النجاح السريع، بل من الإيمان بالفكرة، والمثابرة رغم الفشل، والقدرة على التكيف وقت الشدائد.

المصدر: جيرمان باتنت