– في خضمّ التحديات المتزايدة التي تلقي بظلالها على منظومة الرعاية الصحية العالمية، باتت آليات التمويل التقليدية عاجزة عن مجاراة الأزمات المتشابكة والمتفاقمة.
– فبين تغيُّر المناخ الذي يهدد استقرار المجتمعات، وشيخوخة السكان التي تضع ضغوطًا غير مسبوقة على الخدمات، وتصاعد حدة الاضطرابات الجيوسياسية التي تزعزع استقرار العالم، تتآكل مكتسبات عقود من التقدم الصحي الملموس.
– يستدعي هذا الواقع الجديد بلا شك مقاربة جريئة وغير تقليدية في نماذج التمويل والإدارة، لضمان مستقبل صحي أكثر استدامة للبشرية.
مؤشرات صحية في تراجع… والخطر يلوح في الأفق
– على الرغم من التحسن النسبي في بعض المؤشرات الصحية بعد جائحة كوفيد-19، كشفت التحليلات عن تباطؤ واضح في التقدم المحرز في مجالات حيوية، مثل متوسط العمر المتوقع، وانخفاض وفيات الأمهات والأطفال.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
– بل إن بعض الأنظمة والبرامج الصحية بدأت تشهد تراجعًا صريحًا، مع ركود في تطبيق اللوائح الصحية العامة، ما يعكس ضعفًا في استعداد الأنظمة لمواجهة تحديات مستقبلية.
– وفي الوقت ذاته، تتجه أنماط التمويل نحو التراجع، لا سيما المساعدات الإنمائية العابرة للحدود. وقد أثر التراجع الملحوظ في مساهمات أوروبا والولايات المتحدة مباشرة على استمرارية البرامج، ما أدى إلى اضطرابات واسعة في فرق العمل وسلاسل الإمداد.
5 تحديات تهدد النظام الصحي العالمي
– تواجه الأنظمة الصحية حول العالم 5 تحديات جوهرية:
1- تغيّر المناخ: يُتوقع أن يتسبب في 14.5 مليون حالة وفاة إضافية بحلول عام 2050.
2- شيخوخة السكان: من المرجح أن يتضاعف عدد كبار السن خلال الـ 25 عامًا القادمة.
3- الأمراض المزمنة غير المعدية: مثل السكري وأمراض القلب، وهي تشكل عبئًا متزايدًا على الأنظمة الصحية.
4- التفاوتات المنهجية: أي التفاوت وعدم المساواة في فرص الحصول على الرعاية الصحية وجودتها بين المجتمعات والدول.
5- الاضطرابات الجيوسياسية: التي أثرت بعمق على التعاون الصحي، وأربكت سلاسل الإمداد، وأضعفت أطر الدعم متعددة الأطراف.
لماذا يُعد هذا التراجع خطيرًا؟
– لا يكمن الخطر في ضياع مكاسب صحية ثمينة فحسب، بل في هشاشة الأنظمة أمام صدمات قادمة أكثر تعقيدًا.
– فضعف التمويل يعني تراجعًا في الابتكار والتعاون والحوكمة، وهو ما ينعكس على بطء وتيرة البحث والتطوير، وفقدان التنسيق.
– كما يؤدي التوزيع غير العادل للتمويلات إلى خلل في الأنظمة التنظيمية والتنفيذية، ما يفاقم التفاوت في جودة الخدمات الصحية عالميًا.
مرونة الأنظمة الصحية مهددة… حتى في الدول المتقدمة
– باتت مرونة الأنظمة الصحية -أي قدرتها على التصدي للصدمات والتعافي بسرعة- معرضة للخطر في كل من الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
– فبدون تمويل كافٍ، تعجز الأنظمة عن بناء احتياطيات استباقية، أو التعامل مع أزمات غير متوقعة مثل الأوبئة.
– وفي ظل تنامي هذه التحديات، يصبح تمويل الرعاية الصحية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ومع ذلك، نشهد تراجعًا ملحوظًا في المساعدات، وكأن العالم قرر سحب استثماراته من أكثر القطاعات حيوية لمستقبله.
حلول ممكنة… وتمويل مبتكر لا بد منه
– المبشر في الأمر أن النظام الصحي العالمي لا يزال مرنًا بما يكفي لإعادة التكيف، شريطة أن يتم تبني حلول تمويل مبتكرة تتجاوز النماذج التقليدية؛ فالرهان اليوم ليس على الأدوية أو الأجهزة فقط، بل على كيفية إدارة وتمويل الأنظمة الصحية ذاتها.
– من أبرز المسارات المقترحة:
– نماذج التمويل المختلط: التي تجمع بين المال العام والخاص لتقليل المخاطر وجذب استثمارات أكبر.
– آليات تأمين مرنة: توفر سيولة فورية وقت الأزمات الصحية.
– اللامركزية الصحية: لتمكين المجتمعات من تقديم خدمات صحية فعّالة للفئات المحرومة.
– التحول الرقمي: عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
نحو مستقبل صحي أكثر أمانًا
– لقد أثبتت التجارب السابقة أن نماذج التمويل القائمة على الأداء، أو تلك المشروطة بنتائج قصيرة الأمد، غالبًا ما تفشل في تحقيق الأثر المستدام.
– والمطلوب اليوم هو شراكات حقيقية قائمة على الثقة والالتزام المتبادل، تركز على بناء الأنظمة الصحية وتعزيز قدرتها الذاتية على المدى الطويل.
– ويقتضي ذلك أيضًا منح الدول النامية، مزيدًا من الاستقلالية في تصميم سياساتها الصحية وفقًا لاحتياجاتها وسياقاتها المحلية، بعيدًا عن إملاءات المانحين أو النماذج المستوردة.
الحوكمة والشفافية… الأساس الراسخ للنظام الجديد
– لا يمكن الحديث عن تمويل فعال ومستدام دون الإشارة إلى أهمية الحوكمة الرشيدة والشفافية؛ فالكفاءة في إدارة الموارد، وضمان توجيهها نحو الأولويات الفعلية، أمر بالغ الأهمية لكسب ثقة المجتمعات والمانحين على حد سواء.
– من هنا، فإن بناء أنظمة مراقبة وتقييم فعّالة، وضمان المشاركة المجتمعية في رسم السياسات الصحية، ليس فقط مسألة إدارية، بل شرطٌ ضروري لاستدامة أي إصلاح.
– الطريق ليس سهلاً، لكنه ممكن؛ ويتطلب جرأة في التفكير، وشجاعة في التنفيذ، وشراكات متوازنة تعيد للقطاع الصحي مكانته المركزية كضامن للعدالة والاستقرار والنمو.
– إن صحة المجتمعات لم تعد مسألة “خدمة اجتماعية”، بل ركيزة استراتيجية للأمن القومي والازدهار الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين.
– وكل تأخير في إصلاح المنظومة الصحية وتمويلها، ليس مجرد مخاطرة… بل مقامرة بمستقبل البشرية ذاته.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
(perform (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));