– لنتأمل مشهدًا قد يبدو عاديًا للوهلة الأولى، ولكنه يحمل في طياته ثورةً صامتةً تتجلى في أروقة العمل: موظفة تُدعى “كيت”، وهي مصممة منتجات لدى إحدى شركات السيارات الكبرى، تخطو أولى عتبات التحول المهني؛ إذ تلتحق بمسار تعليمي رقمي مكثف يهدف إلى صقل مهاراتها لتبلغ مرتبة مهندسة منتجات.
– وما إن تُكمل الوحدات الأساسية، حتى يخضع أداؤها لتقييم ذكي عبر دردشة آلية متطورة لا تكتفي بقياس مستوى استيعابها فحسب، بل توجهها نحو المستويات الأكثر تقدمًا من المحتوى التعليمي.
– وعندما تحرز كيت تقديرًا مرتفعًا، تقوم المنصة بإخطار مدير الموارد البشرية آليًا وفورًا، تمهيدًا لاتخاذ خطوات الترقية اللاحقة.
– هذا المشهد، الذي قد يبدو للبعض ضربًا من الخيال العلمي، يُوشك أن يتحول إلى واقع طبيعي ومألوف في بيئة العمل المستقبلية القريبة.
تحولات ديموغرافية وتكنولوجية تعيد رسم خريطة المهارات العالمية
– في السياق ذاته، تنبأ تقرير “مستقبل الوظائف 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بتحولاتٍ جذرية وغير مسبوقة في سوق العمل، بفعل تفاعل معقّد بين التحولات التقنية والديموغرافية والاقتصادية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
– على الصعيد الديموغرافي، نشهد تناقضًا لافتًا؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه الاقتصادات المتقدمة من تراجع مطرد في أعداد القوى العاملة جراء شيخوخة السكان، تسجل الاقتصادات النامية نموًا متواصلاً في أعداد العاملين لديها.
– وفي المقابل، تواصل التكنولوجيا، بفضل ريادة الذكاء الاصطناعي والأتمتة، إحداث “زلزال” حقيقي في سوق المهارات.
– إذ يتوقع الخبراء أن ما يقرب من 39% من المهارات السائدة حاليًا ستصبح إما عديمة الفائدة أو بحاجة ماسة إلى تحديث شامل بحلول عام 2030، في مشهدٍ يعكس تسارع وتيرة التغير ومتطلبات سوق العمل الجديد.
فجوة المهارات: أبرز التحديات والفرص
– على الرغم من التحديات التي تفرضها بيئة العمل المتسارعة، يلوح في الأفق بصيص أمل يعكس بعض التقدم؛ فقد شهد مؤشر “عدم استقرار المهارات” تراجعًا ملموسًا، لينخفض من 57% في عام 2020 إلى 44% بحلول عام 2023، مُثمرًا جهودًا مكثفة في برامج التدريب وإعادة التأهيل المهني.
– غير أن فجوة المهارات تظل تهديدًا وجوديًا يطال المؤسسات والأفراد على حدٍ سواء؛ فالمؤسسات تحتاج إلى كوادر بشرية مسلحة بمهارات القرن الحادي والعشرين لدفع عجلة النمو والازدهار، بينما يتوجب على الأفراد صقل كفاءاتهم باستمرار لضمان البقاء في حلبة التنافس وتحقيق الارتقاء الوظيفي.
– وهنا، يبرز نجم الذكاء الاصطناعي – لا سيما الذكاء الاصطناعي الوكيل– ليُشكل عاملًا حاسمًا في إعادة صياغة معالم بيئة العمل والتعلم برمتها.
– فبفضل قدرته الفائقة على اتخاذ قرارات ذاتية قائمة على فهم عميق للتعليمات اللغوية والسياق المؤسسي العام، يُقدم هذا النمط المتطور من الذكاء الاصطناعي أدوات مبتكرة قادرة على استشراف المهارات الناشئة، وصياغة خطط تدريبية مخصصة تتناغم تمامًا مع احتياجات كل موظف فرد وخطى المؤسسة نحو أهدافها الاستراتيجية.
تعلّم مخصّص ومستدام
– يلعب الذكاء الاصطناعي الوكيل دورًا جوهريًا في تصميم تجارب تعليمية شخصية، تتسم بالمرونة والفاعلية؛ فلا يقتصر دوره على تحديد المحتوى المناسب، بل يمتد إلى تحفيز السلوك المعرفي النشط، ما يعزز الاحتفاظ بالمعلومة وتطبيقها الفعّال.
– كما يدعم الذكاء الاصطناعي المهارات الحياتية مثل التفكير النقدي، والمرونة، والقدرة على التكيّف، وهي سمات حيوية في بيئة عمل سريعة التغيّر.
– أظهرت بعض التقارير، أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي أدى إلى تضاعف معدلات التفاعل النشط للطلبة، وتطور ملحوظ في مهارات التفكير التحليلي والمعرفي.
– أما على مستوى المعلمين، فقد أصبحت هذه الأدوات بمثابة مساعدين رقميين، يساهمون في إعداد المحتوى التعليمي، من ملخصات واختبارات وبطاقات مراجعة، ما يتيح مزيدًا من الوقت لتوجيه الطلبة وتعزيز التجربة التعليمية.
بيئة العمل الجديدة: مزيج من الإنسان والآلة
– لم تعد الوظائف المستقبلية تعتمد فقط على المهارات التقنية، بل تتطلب مزيجًا من الكفاءات الإنسانية؛ كالتواصل، والتعاون، والقيادة، والتعاطف.
– ويُنتظر من الذكاء الاصطناعي أن يعزز هذه المهارات لا أن يحل محلها، مساندًا الموظفين في المهام الروتينية، وموفرًا ملايين الساعات أسبوعيًا، كما تشير بيانات من شركة بيرسون.
– في الوقت ذاته، يتيح الذكاء الاصطناعي للعاملين الشباب والأقل خبرة العمل باستقلالية أكبر، ما يعزز ثقافة العمل الذاتي والإدارة الذاتية.
– وفي ظل النمو المتسارع لمفهوم العمل عن بُعد، والذي يُتوقع أن يشمل نحو 90 مليون وظيفة بحلول عام 2030، يُسهم الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر في إرساء دعائم المرونة المطلوبة، مُتيحًا التحكم في عناصر “متى وأين وكيف” يتم إنجاز المهام بفعّالية.
الذكاء الاصطناعي الوكيل: هندسة مستقبل العمل
– يمثّل الذكاء الاصطناعي الوكيل حجر الزاوية في تصميم مستقبل العمل، من خلال قدرته على الدمج بين “التخصيص العميق” و”قابلية التوسّع”.
– فهو لا يكتفي بتكييف مسارات التعلم، بل يساهم في إعادة تعريف الوظائف ذاتها، بما يحقق توازنًا بين الإنتاجية والرفاه المهني.
– وتسعى مؤسسات تكنولوجيا التعليم إلى تأسيس اقتصاد معرفي قائم على المهارات، بالاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحديد الفجوات المعرفية، وتصميم مسارات تعلم مخصصة، وربط نتائج التدريب بالأهداف الاستراتيجية للمؤسسات.
– كما تتيح حلول الاعتماد الرقمي والتحقق من المهارات تجربة تعليمية متكاملة، تدعم إعادة التأهيل المهني والتعلّم المستمر مدى الحياة.
نحو استراتيجية جديدة لإدارة المواهب
– في عالم يضجّ بالتحولات المتسارعة، ويأبى الركود، باتت استراتيجيات إدارة المواهب التقليدية محض ذكريات من زمن ولى، لا تفي بمتطلبات الحاضر ولا تساير إيقاع المستقبل المتسارع.
– وأمام هذا الواقع المتجدد، يغدو تبني نموذج رائد ومبتكر أمرًا حتميًا؛ نموذج يتخذ من “تحوّل القوى العاملة” جوهرًا له، ويعتمد على الذكاء الاصطناعي الوكيل كقوة دافعة ومحرك أساسي.
فبواسطة هذه التقنية المتقدمة، تستطيع المؤسسات تمكين قواها العاملة على نطاق غير مسبوق، لا سيما عبر تعزيز المهارات الشخصية والاحترافية على حد سواء، بما يضمن لها جاهزية استثنائية للتكيّف مع تقلبات السوق المتسارعة ومواجهة موجات التغيير العاتية.
خلاصة القول، يبشر الذكاء الاصطناعي الوكيل بآفاق رحبة لإعادة صياغة شاملة لمفاهيم التعلّم والعمل والقيادة؛ فهو يعد بتحقيق توازن دقيق بين براعة الآلة وعبقرية الفكر البشري.
إنه بحق ليس مجرد أداة تكنولوجية عابرة، بل ركيزة استراتيجية لا غنى عنها، وحصانٌ رابحٌ في مضمار التنافس المستقبلي.
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
(operate (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.internet/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));