الجولة التي دعا إليها مخرج الفيلم المشترك، الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوڤال أبراهام، كانت تهدف لتوثيق عنف المستوطنين المتزايد منذ 7 أكتوبر 2023، غير أن جنود الاحتلال اعترضوا طريق الصحافيين وأبلغوهم بوجود «أوامر عسكرية» تمنعهم من الدخول.
مخاوف إسرائيلية
ويقول محللون إن منع دخول الصحافة لا يتعلق فقط بالحفاظ على صورة الاحتلال أمام الرأي العام الدولي، بل يكشف عن ارتباك داخلي من تسليط الضوء على طبيعة الخطط الممنهجة التي تتجاوز الردود الأمنية إلى مشروع تطهير جغرافي وديمغرافي.
ومحاولات إخفاء ما يجري، سواء عبر حظر الصحافة أو التضييق على النشطاء والمنتجين السينمائيين، تعكس تصاعداً في المخاوف الإسرائيلية من اتساع رقعة الوعي العالمي بعمق الجرائم اليومية، وما قد يترتب عليه من ضغوط قانونية أو سياسية.
قمع ممنهج
وقال عدرا في تصريح صحافي: «من الواضح أنهم لا يريدون أن يرى العالم ما يحدث هنا»، في إشارة إلى القمع الممنهج الذي يتعرض له السكان، والحرمان المتعمد من التغطية الإعلامية.
والفيلم الفائز بجائزة أفضل وثائقي في الأوسكار، يوثق صمود السكان في منطقة «مسافر يطا» أمام محاولات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لاقتلاعهم من أراضيهم. وقد أكّد عدرا أن الجيش منع الصحافيين من دخول قريتي التواني وخلة الضبعة، رغم تمكنهم لاحقاً من دخول قرية واحدة فقط.
استيلاء وتدمير
وبحسب إفادات عدرا، اقتحم مستوطنون قرية خلة الضبعة، واستولوا على كهوف يسكنها الأهالي، ودمروا ممتلكاتهم، كما أطلقوا أغنامهم لترعى في أراضي السكان الزراعية، بينما كان الجيش قد هدم معظم أجزاء القرية في الشهر السابق.
وهذه الحوادث تتكرر ضمن نمط أوسع من الانتهاكات في الضفة الغربية، حيث يستخدم المستوطنون والجيش سياسة الهدم والملاحقة لتهجير السكان. ويخشى الفلسطينيون في هذه القرى، وخاصة في «مسافر يطا» التي أُعلنت منطقة تدريب عسكري منذ ثمانينيات القرن الماضي، من عمليات ترحيل جماعي فجائية.
مجازر متواصلة
وفي سياق متصل، أفادت مصادر طبية في غزة بمقتل 14 مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع.
وتأتي الغارة ضمن حملة عسكرية خلفت، حتى الآن، أكثر من 54 ألف قتيل فلسطيني، وأجبرت نحو 90 % من سكان القطاع على النزوح، وفق وزارة الصحة في غزة.
ورغم ادعاء إسرائيل استهداف عناصر حماس فقط، تستمر الغارات في استهداف منازل المدنيين والبنية التحتية، وسط تأكيدات أممية بأن نسبة الضحايا من الأطفال والنساء تشكل الغالبية.

الأزمة الإنسانية
وتواجه غزة تصعيدًا عسكريًا متواصلًا منذ عدة أشهر، وسط ضربات جوية مكثفة ألحقت أضرارًا واسعة بالبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومراكز توزيع المساعدات. وتفيد تقارير المنظمات الحقوقية بأن عدد الغارات تجاوز عدة آلاف، وأسفر عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين، من بينهم نساء وأطفال. كما أدت العمليات العسكرية إلى نزوح داخلي واسع، حيث أُجبر أكثر من 70 % من السكان على ترك منازلهم، في ظل غياب ممرات إنسانية آمنة. وتُشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن النظام الصحي يواجه انهيارًا وشيكًا بسبب الضغط المتزايد ونقص الإمدادات الطبية الحيوية.
الأمن الغذائي
وعلى الجانب الآخر من الأزمة، يشهد قطاع غزة تدهورًا حادًا في الوضع الغذائي، مع توقف سلاسل الإمداد وقيود مشددة على دخول المواد الأساسية. ووفق برنامج الأغذية العالمي، فإن أكثر من 80% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع تسجيل حالات سوء تغذية حاد في صفوف الأطفال. وقد أدى استهداف الطرق والمخازن، إلى جانب إغلاق المعابر، إلى تعذر توزيع المساعدات الغذائية بشكل منتظم. وتُحذر منظمات الإغاثة الدولية من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى مجاعة محلية، خصوصًا مع تراجع القدرة الشرائية للسكان وتوقف الأنشطة الاقتصادية شبه الكامل داخل القطاع.

أرقام تُجرد الواقع من التبريرات
عدد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية:
أكثر من 100 مستوطنة
• عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة:
أكثر من 500 ألف مستوطن
• عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية:
نحو 3 ملايين نسمة
• عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب على غزة:
أكثر من 54.000، معظمهم من النساء والأطفال
• نسبة النازحين في غزة:
90 % من السكان