– لطالما شكّلت العلاقة بين النفس البشرية والرفاهية موضوعًا مثيرًا للاهتمام، خاصة حين يتعلق الأمر بفهم السر الكامن خلف انجذاب الناس إلى العلامات التجارية الفاخرة.
– ولا يقتصر هذا الانجذاب على جودة المنتجات أو جمال تصميمها، بل يمتد ليشمل مفاهيم أعمق تتعلق بالهوية، والمكانة، والانتماء الاجتماعي.
– نستعرض في هذا التقرير، الدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذا الشغف، ونكشف كيف يمكن للعلامات التجارية الفاخرة أن تبني ولاءً عاطفيًا مستدامًا لدى جمهورها.
علامات تجارية تُشترى بالعين والقلب
– تلعب الصورة الذهنية للعلامة التجارية دورًا جوهريًا في جذب المستهلكين نحو المنتجات الفاخرة؛ فالمستهلك لا يشتري منتجًا فحسب، بل يقتني قصة وحلمًا وهوية.
– إن رؤية الشعار البارز للعلامة التجارية على الحقيبة أو السيارة ليست مجرد تميّز بصري، بل رسالة ضمنية للآخرين حول المكانة والذوق والثروة.
– ولم تأتِ هذه الصورة من فراغ، بل هي نتاج عقود من العمل المتواصل على بناء هوية بصرية وسردية دقيقة.
هوية اجتماعية متناقضة: بين الشغف والجموح
– إن عالم الرفاهية ليس ساحة محايدة؛ إذ تكمن فيه مفارقات جذابة؛ فبينما يقدّر بعض المستهلكين الرفاهية لأسباب فنية – مثل جودة التصنيع والدقة الحرفية – يرى آخرون فيها وسيلة للتباهي والرقي الاجتماعي.
– تتجلى هذه الثنائية في المفاضلة بين من يشتري ساعة “كارتييه” لأنه يقدّر التراث والتميز، ومن يقتنيها فقط ليلفت الأنظار.
– غير أن الوجه المظلم لهذا السعي نحو الفخامة يتمثل في محاولة البعض امتلاك ما لا يستطيعون تحمّله ماليًا، ما يؤدي إلى الوقوع في فخ الديون لتحقيق صورة اجتماعية زائفة. إنه انعكاس لمجتمع يربط النجاح بالمظاهر، لا بالمضمون.
التفرّد: حين تصبح الندرة فنًا تسويقيًا
– لعلّ أحد أسرار الجاذبية في العلامات الفاخرة هو الإحساس بالتفرّد؛ فكلما كان المنتج أكثر ندرة وغلاء، زاد شعور المالك بأنه جزء من قلة مختارة.
– وهنا تلعب الاستراتيجية التسعيرية دورًا بالغ الأهمية: ليس فقط كمقياس للجودة، بل كأداة تعزز الشعور بالخصوصية.
– ثمة تباين واضح بين من يفضلون الرفاهية “المرئية”، أي تلك التي تحمل شعارات بارزة وصاخبة مثل “لوي فويتون”، ومن يختارون الفخامة “الهادئة”، حيث تختفي العلامة خلف تصميم راقٍ لا يعرفه إلا المتمرسون. في الحالة الأولى، يسعى المستهلك للانتماء، وفي الثانية، يهدف للتميّز.
ما الذي يدفعنا حقًا إلى الشراء؟

– تُعد غالبية قرارات شراء السلع الفاخرة، في جوهرها، مدفوعة بالرغبة في الشعور بالرضا، سواء لإرضاء الذات أو نيل إعجاب الآخرين.
– يُقبل بعض المستهلكين على الشراء لأنهم يبحثون عن فرصة لتعزيز الثقة بالنفس، بينما يرى آخرون في تلك المشتريات استثمارًا طويل الأمد، كما هي الحال مع الساعات الفاخرة التي ترتفع قيمتها مع مرور الزمن.
– لا تُعد هذه المشتريات ترفًا، بل تعد أصولًا ذات قيمة رمزية ومادية. من هنا، بدأنا نرى مفهوم “الرفاهية كاستثمار” يتوسع ليشمل مجالات غير تقليدية مثل الأعمال الفنية، وحتى السيارات النادرة.
دوافع نفسية… تلامس الروح
– يمكن تلخيص المحركات العاطفية وراء اقتناء المنتجات الفاخرة في عدة محاور:
– الرغبة في التفرّد: امتلاك شيء لا يملكه الآخرون يُشعر الإنسان بالتميّز والتفرد.
– المكانة الاجتماعية: امتلاك سيارة رياضية أو ساعة فاخرة كرمز للنجاح وتحقيق الذات.
– السردية الشخصية: تساهم العلامة الفاخرة في بناء “سردية ذاتية”، وتمنح صاحبها شعورًا بالانتماء لهوية معينة.
– الاعتراف والقبول: يسعى البعض إلى أن يُنظر إليهم كأشخاص ناجحين أو راقين من خلال ما يقتنونه.
الولاء الحقيقي… يُبنى ولا يُفترض
– تفترض العديد من العلامات التجارية أن ولاء المستهلك يُولد بعد أول عملية شراء، ولكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. إذ يُبنى الولاء على الثقة، والخبرة الإيجابية، والانطباع الثابت بأن هذه العلامة تفي بوعودها دائمًا.
– تُعزز البرامج المخصصة لكبار العملاء، مثل الوصول الحصري أو الفعاليات الخاصة، هذا الولاء وتمنح المستهلك شعورًا بالتميز والانتماء.
باختصار؛ يتطلب بناء علاقة طويلة الأمد تفانيًا ومتابعة، وليس مجرد منتج أنيق.
الاستدامة: بُعد جديد في رفاهية الغد
– في عالمنا المتسارع، لم تعد الفخامة تُقاس فقط بالندرة أو الثمن، بل أيضًا بالقيم. يبحث المستهلك اليوم – لا سيما الجيل الجديد – عن علامات تجارية تجمع بين الأناقة والمسؤولية الاجتماعية.
– نرى اليوم علامات مثل “ستيلا مكارتني” للحقائب النسائية، تتخلى عن الجلود وتتبنى مواد صديقة للبيئة، أو “بولستار” التي تُدخل المواد المعاد تدويرها في صناعة السيارات.
– هنا، يصبح الانجذاب للعلامة الفاخرة نابعًا من التلاقي بين الوعي البيئي والذوق الرفيع.
صورة العلامة التجارية: كل شيء يبدأ وينتهي بها

– يُعيد خبير العلامات التجارية، مارتي نيوميير، تعريف المفهوم ببراعة قائلاً: “العلامة التجارية ليست ما تقوله أنت، بل ما يقوله الآخرون عنك”.
– تختزل هذه المقولة جوهر المهمة الشاقة لمديري العلامات التجارية الفاخرة؛ فدورهم لا يقتصر على تقديم منتجات استثنائية، بل يمتد إلى إدارة الصورة الذهنية بدقة متناهية، لأن الانطباع العام هو ما يحدد القيمة الحقيقية للعلامة.
– تجاوز المستهلك اليوم مرحلة الاكتفاء بشراء المنتج لمجرد كونه باهظ الثمن؛ فهو يبحث عما هو أعمق؛ عن قصة ترويها العلامة التجارية، وعن قيمة مضافة تتجاوز المنفعة المادية، وعن تجربة حسية فريدة تعكس هويته وتطلعاته.
– في الختام، تتجلى العلامة التجارية الفاخرة ككيان يتجاوز مجرد كونه منتجًا؛ إنها انعكاس للرغبات العميقة في التميز، والانتماء، والتعبير عن الذات.
– إن فهم هذه النفسية العميقة للمستهلك هو مفتاح النجاح لأي علامة تجارية تطمح إلى البقاء والازدهار في عالم أصبح فيه التغيير هو الثابت الوحيد.
المصدر: أيكون
(perform (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));