منذ عقود، اُعتبرت البيانات الاقتصادية الأمريكية على نطاق واسع الأكثر شمولاً وموثوقية بين الاقتصادات المتقدمة الرئيسية.
لكن في الآونة الأخيرة، ظهرت تساؤلات حول مدى موثوقية هذه البيانات الرسمية، وسلط المستثمرون الضوء على أوجه عيوب وقصور التقارير الاقتصادية الرئيسية، بما في ذلك بيانات العمل والتضخم.
وظهر ذلك جليًا في التعارض بين البيانات الرسمية واستطلاعات الرأي، حيث أظهرت المسوحات في الآونة الأخيرة تصاعد قلق المستثمرين من التضخم وضعف سوق العمل، فيما أظهرت التقارير الرسمية استقرارًا في وتيرة ارتفاع الأسعار وقوة التوظيف.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وأثارت التخفيضات الجذرية التي أجرتها إدارة الرئيس “دونالد ترامب” في الإنفاق الحكومي والقوى العاملة الفيدرالية قلق الاقتصاديين والباحثين من أن موثوقية ودقة البيانات الاقتصادية قد تصبحان ضحية لتلك الجهود.
محرك أكبر اقتصاد في العالم
– تلعب البيانات الرسمية دورًا رئيسيًا في مسار الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى أقساط الرهن العقاري الشهرية، وشيكات الضمان الاجتماعي، وحزم المساعدات المالية ومفاوضات الأجور وغيرها من القطاعات.
– تُستخدم البيانات في رسم السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، حيث تُعد عاملًا حاسمًا في قرارات الفائدة، والتي تؤثر بدورها على شهية المخاطرة بالنسبة للمستثمرين.
– هذا بجانب اعتماد الكثير من المستثمرين على البيانات لمعرفة مدى قوة الاقتصاد الأمريكي، كما يستخدم صانعو السياسات وقادة الأعمال البيانات لرسم التوقعات المستقبلية.
خطوة مقلقة؟
– أعلن مكتب إحصاءات العمل، الأسبوع الماضي، أنه حد من نطاق مسوحات الأسعار التي يستخدمها في نتائج قراءة مؤشر أسعار المستهلكين الشهري، حيث قلص عملية جمع البيانات في أماكن متفرقة بالولايات المتحدة، وأوقفها في عدة مناطق أخرى.
– يتخوف المستثمرون من أن تؤثر هذه الإجراءات على جودة تقارير التضخم، لكن المكتب يرى أنها لن تؤثر على أرقام مؤشر أسعار المستهلك الرئيسية التي يتابعها المستثمرون عن كثب.
– عزا المكتب هذه الخطوة إلى ضعف الموارد الحالية التي لم تعد كافية لدعم جهود عملية جمع البيانات، إذ أثرت عملية تجميد التوظيف الحكومي وتقليص القوة العاملة الفيدرالية، سلبًا على عدد الشركات التي يتحقق المكتب من الأسعار من خلالها.
– لم يقتصر الأمر وحده على مكتب إحصاءات العمل، إذ تعطل عدد من المواقع الإلكترونية الفيدرالية في بداية ولاية الرئيس “دونالد ترامب” الثانية، في الوقت الذي كثفت فيه وزارة كفاءة الحكومة عمليات تسريح العمالة لخفض النفقات العامة.
– يتضمن اقتراح “ترامب” لميزانية عام 2026، خفضًا بنسبة 8% في تمويل وعدد موظفي مكتب إحصاءات العمل، ما يُشير إلى استمرار عمليات تقليص التكاليف والتي قد تؤثر على جودة البيانات.
الآثار تمتد.. من الفيدرالي حتى الأسهم
– لطالما أكد صانعو السياسات في مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تقييمهم للبيانات الاقتصادية عند اتخاد القرارات المتعلقة بأسعار الفائدة، ومن شأن ضعف جودة البيانات التي يعتمدون عليها، أن يؤدي إلى ضبابية مسار السياسة النقدية.
– رغم أن الفيدرالي يعتمد على مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي لمعرفة اتجاهات التضخم بدلًا من مؤشر أسعار المستهلكين، فإنه يستعين بوكالات إحصائية فيدرالية لجمع هذه البيانات، والتي قد تتأثر أيضًا بتقليص عدد الموظفين.
– نظرًا لتأثير قرارات الاحتياطي الفيدرالي المتعلقة بالساسية النقدية على الأسواق المالية، فقد يُصبح هذا الأمر مُشكلة للمستثمرين في المستقبل.
– يرى “ستيفن إنجلاندر” خبير الاقتصاد الكلي لأمريكا الشمالية في “ستاندرد تشارترد”، أنه في حال حصل الفيدرالي على بيانات أكثر دقة في السنوات الماضية، لكان من الممكن أن يحجم عن إحدى زيادات أسعار الفائدة التي أجراها في عام 2023.
بيانات التوظيف
– سلط “إنجلاندر” في تقرير نشره الأسبوع الماضي، الضوء على ما وصفه بالتناقضات بين تقرير الوظائف الشهري الصادر عن وزارة العمل، وبيانات التوظيف الفصلية التي تُعتبر أكثر موثوقية، ولكنها تصدر بفارق زمني أطول.
– أشار “إنجلاندر” إلى أن بعض الأساليب التي يتبعها مكتب إحصاءات العمل عند حساب الأرقام الشهرية قد تكون السبب في ذلك، إلا أنه يستبعد تأثير ذلك على الفيدرالي نظرًا لاعتماده على بيانات أخرى.
– كما يرى أن تعديل بيانات التوظيف في التقارير اللاحقة تُثير تساؤلًا حول مدى دقتها، حيث تضمن تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر مايو، تعديلًا هبوطيًا لبيانات الشهرين السابقين.
– صرح “مايكل براون”، كبير استراتيجيي الأبحاث في “بيبرستون”، لموقع “ماركت ووتش” بأن المخاوف بشأن جودة البيانات الاقتصادية قد اكتسبت زخمًا مؤخرًا، وليس فقط في الولايات المتحدة، فقد ظهرت مشاكل في دقة البيانات الاقتصادية في المملكة المتحدة.
مشكلة ليست في أوانها
– حذر “ستيف دين” كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “كومباوند بلانينج” من أن المشاكل المتعلقة بجهود مكتب إحصاءات العمل في جمع البيانات، والمرتبطة بتقارير التضخم، قد برزت في وقت غير مناسب على الإطلاق.
– أضاف أن المستثمرين وصانعو السياسيات يسعون في الوقت الحالي لفهم كيفية تأثير تعريفات “ترامب” الجمركية على التضخم وسوق العمل، قائلًا: “أي انخفاض في جودة وموثوقية تلك البيانات، يُصعب مهمة الفيدرالي”.
– كما يكافح المستثمرون لمعرفة تأثير حالة عدم اليقين الناجمة عن عدم استقرار السياسة التجارية للولايات المتحدة على إنفاق المستهلكين، وذلك في ظل تحذيرات شركات التجزئة من ضعف إيراداتها وربحيتها لهذا السبب.
الخروج من المأزق
– بالنسبة للمستثمرين، لا ينبغي الاعتماد على مؤشر واحد لمعرفة حالة الاقتصاد أو لرسم مسار محتمل للسياسات المستقبلية، بل يجب الاعتماد على أكثر من مؤشر ومسح للتأكد من تناسق هذه البيانات.
– كما يجب الاعتماد على البيانات المالية المتعلقة بالشركات، والتي قد تعطي رؤية غير مباشرة حول إنفاق المستهلكين، كما أن نتائج الأعمال الفصلية قد تدفع المستثمرين لتعديل محافظهم الاستثمارية.
– لكن في ظل التغييرات الجوهرية التي يجريها الرئيس “ترامب” في هياكل الإنفاق والإدارة داخل المؤسسات الفيدرالية، هل تتضرر موثوقية البيانات الرسمية التي تعتمد عليها الأسواق في بناء توقعاتها وخططها؟
المصادر: أرقام- ماركت ووتش- سي إن إن- ياهو فاينانس- إن بي آر
(perform (d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id; js.async = true;
js.src = “//join.fb.web/en-US/sdk.js#xfbml=1#xfbml=1&appId=1581064458982007&model=v2.3”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(doc, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));