ويأتي هذا الاعتراف الجزئي في أعقاب ما أوردته صحيفة “هآرتس” في شهادات لجنود وضباط أكدوا أنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على حشود غير مسلحة بهدف إبعادها، حتى دون وجود تهديد فعلي على قوات الجيش الإسرائيلي المتمركزة في محيط مراكز توزيع الطرود الغذائية.
وقال المسؤول العسكري إن الجيش “يعمل حاليا بوسائل مختلفة”، مشيرا إلى أن إطلاق النار جرى “لأجل الحفاظ على النظام في نقاط توزيع الغذاء”، وأضاف أن بعض تلك العمليات أدّت إلى مقتل مدنيين بسبب نيران مدفعية وُصفت بأنها “غير محسوبة”.
وأضاف أن إحدى الحوادث، التي صنفها على أنها “الأخطر”، أسفرت عن إصابة ما بين 30 و40 شخصا، بعضهم قتلوا، علما بأن المصادر المحلية في قطاع غزة ومنظمات حقوقية وإغاثية دولية وأممية، تؤكد تحول مراكز المساعدات إلى “مصائد موت” لاستهداف المدنيين.
وكانت “هآرتس” قد نشرت شهادات مباشرة من جنود وضباط خدموا مؤخرا في القطاع، وقالوا إنهم تلقوا خلال الشهر الماضي أوامر بإطلاق النار على حشود مدنية غير مسلحة، بغرض إبعادهم عن شاحنات الغذاء، على الرغم من عدم وجود تهديد مباشر.
ولم ينف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بشكل صريح في رده الأولي للصحيفة، وجود مثل هذه التعليمات. لكن في بيان لاحق، زعم أن “الجيش لا يصدر تعليمات بإطلاق النار عمدا على مدنيين بشكل عام، ولا على من يتواجدون في محيط نقاط توزيع المساعدات بشكل خاص”.
وأضاف أن “أحداثا أُبلغ فيها عن إصابات في صفوف المدنيين خضعت لتحقيقات معمقة، ونُقلت إلى هيئة التحقيق التابعة لهيئة الأركان”، وأشار إلى “إصدار تعليمات ميدانية جديدة على ضوء ما تم استخلاصه من هذه الوقائع”.
وفي تناقض مع تصريحات رئيس أركان الجيش إيال زامير الأسبوع الماضي والتي قال فيها إن عملية “عربات جدعون” العسكرية في غزة “شارفت على تحقيق أهدافها”، أكد المسؤول العسكري اليوم أن مواصلة العملية ما زالت ضرورية.
وأشار إلى أن “التحركات الحالية في القطاع قد تؤدي إلى تغييرات إيجابية”، لكنه نبه إلى ضرورة “تجنب الغرق في سيناريو مشابه للبنان أو فيتنام”، في إشارة إلى خطر الانزلاق في مستنقع عسكري طويل الأمد.
وفي ما يتعلق بالوضع الإنساني، قدم المسؤول رواية تناقض مجمل التقارير الأممية والميدانية، بالقول إن “لا وجود لمجاعة حاليا في القطاع”، وزعم أن “سكان غزة راضون عن طريقة توزيع المساعدات”، مضيفا أن الجيش “يعمل على معالجة الإشكالات في هذا الملف”.

في المقابل، أفاد جنود تحدثوا إلى الصحيفة بأنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على من يشتبه في نهبهم لشاحنات المساعدات، رغم أنهم يرصدون عادة من مسافات بعيدة، “ولا يشكلون خطرا فعليا”، بحسب تعبير أحد الجنود.
وأشار الجيش إلى أن مهمته تنحصر في “ضمان دخول المساعدات إلى داخل القطاع”، وليس إيصالها إلى مراكز التوزيع في العمق. وتدار نقاط التوزيع بشكل أساسي من قبل شركة أمريكية (SRS)، لكن الجيش قال إن هناك أيضا مساعدات توزع خارج هذا الإطار، بناء على تعليمات صادرة عن المستوى السياسي.
وقررت قيادة الجيش إغلاق مركز توزيع المساعدات في حي تل السلطان جنوبي القطاع بشكل مؤقت، وإنشاء نقطة جديدة قربه، بهدف “تقليص الاحتكاك مع السكان المدنيين وضمان أمن موظفي التوزيع”، بحسب وصف الجيش.
وستواصل 3 نقاط توزيع أخرى عملها بناء على الآلية الأمريكية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي: اثنتان في الجنوب، وواحدة في وسط القطاع، جنوب حاجز “نيتساريم”. وأشار الجيش إلى أن المستوى السياسي هو من قرر وقف إدخال المساعدات عبر شمال القطاع.
هذا ورفضت الأمم المتحدة سعي إسرائيل والولايات المتحدة بأن تعمل وكالاتها من خلال “مؤسسة غزة الإنسانية”، وشككت في حيادها واتهمت نموذج التوزيع بعسكرة المساعدات وإجبار السكان على النزوح.
المصدر: وكالات
إقرأ المزيد
مجاعة غزة تشتد وحرب إسرائيل تتصاعد
يتعرض مليونا فلسطيني في قطاع غزة لعملية تجويع متعمد قاتلة خلفت آثارا كارثية على المدنيين وخاصة على كبار السن والأطفال والمرضى في المستشفيات،